فضاء حر

سلطة الغلبة: كيف يتغذى الفساد على دماء الشعوب..؟

يمنات

فؤاد محمد

في خضم الأزمات السياسية والاقتصادية التي تمر بها العديد من الدول، تظهر على الساحة بعض السلطات التي تفرض نفسها على المجتمع باستخدام القوة والقمع، وتستولي على الحكم عبر وسائل غير شرعية. تُعرف هذه الأنظمة في الأدبيات السياسية بسلطة “الأمر الواقع”، وهي أنظمة تُمارس الاستبداد والفساد ولا تعترف بالقانون أو بالدستور، بل تُحاول تبرير تصرفاتها اللاأخلاقية بالقوة والهيمنة العسكرية، وفي بعض الأحيان من خلال اللعب على الوتر الطائفي أو العرقي. في هذا المقال، سنتناول هذه السلطة الفاسدة والمستبدة بكل أبعادها، ونسلط الضوء على آثارها المدمرة على المجتمع.

سلطة الأمر الواقع: أداة القمع والتسلط

سلطة الأمر الواقع تتسم بأنها تُمثل قوى لا شرعية تحتكر السلطة بالقوة، سواء عن طريق الانقلاب أو الحروب أو أي شكل من أشكال العنف الموجه ضد المجتمع. إنها سلطة تغيب عنها أي مظاهر ديمقراطية، فلا يوجد انتخابات حرة ونزيهة، ولا يوجد احترام للحقوق الأساسية للمواطنين. فهي تفرض نفسها على المجتمع عبر القوى العسكرية أو الأمنية، وتبدأ في استغلال السلطات في فرض سيطرتها، الأمر الذي يعني بالتالي غياب أي نوع من المساءلة أو الشفافية.

هذه الأنظمة عادةً ما تُبرر استمراريتها من خلال افتعال الحروب أو النزاعات مع الأطراف الأخرى، مما يُمكنها من تبرير ممارساتها التعسفية ضد شعبها.

إنّ افتعال الحروب المستمرة أو تعزيز النزاعات الطائفية والعرقية يُعد من الأساليب التي تستخدمها هذه الأنظمة للتغطية على فشلها السياسي والاقتصادي. فهي لا تستطيع الاستمرار في الحكم إلا إذا استطاعت خلق حالة من “الاستثناء” التي تجعل الجميع في حالة طوارئ، فيقوم الشعب بتجاهل انتهاكات السلطة بشكل غير مباشر، معتقدا أن الوضع الحربي يتطلب التضحية بالجميع، وبالتالي لا يُنتقد النظام بشكل علني.

الفساد ونهب المال العام: من أين تبدأ الأزمة؟

ما يجعل هذه السلطة أكثر فظاعة هو حجم الفساد الذي ترزح تحته. تبدأ الأزمات الاقتصادية في معظم الدول تحت حكم هذه الأنظمة من تهريب الأموال العامة واحتكار الثروات لصالح النخب الحاكمة والمقربة. يشكل هذا الفساد قلب الأزمة الاقتصادية في المجتمع، حيث يُسهم في إفقار الشعب وحرمانه من أبسط حقوقه. السلطة التي تسيطر على البلد لا تتوانى في نهب الإيرادات العامة، كما أنها تواصل جمع الأموال عبر مشاريع وهمية أو عقود فساد مع شركات غير شفافة.

إضافةً إلى ذلك، تقوم هذه الأنظمة بممارسة التفرد في تخصيص الموارد، في حين يتم تقليص أو حتى إلغاء الخدمات العامة مثل التعليم والصحة. وفي بعض الحالات، يتم صرف نصف رواتب الموظفين الحكوميين (مثل المعلمين والأكاديميين) أو حتى إلغاء الرواتب تماما، مما يؤدي إلى تفشي الجهل وانهيار المؤسسات التعليمية. فالمعلم، الذي يُعد ركيزة أساسية في بناء مجتمع ناجح، يُهان ويُحرم من حقوقه، مما يؤدي إلى تدهور النظام التعليمي، وهذا له آثار سلبية طويلة الأمد على الأجيال القادمة.

انتهاك حقوق الإنسان: عودة إلى العصور المظلمة

أحد أبرز مظاهر سلطات الأمر الواقع هو انتهاكها المستمر لحقوق الإنسان. فهذه السلطات لا تكتفي بإسكات المعارضين فحسب، بل تستخدم أساليب قمعية على نطاق واسع، تشمل الاعتقالات التعسفية، التعذيب، والقتل خارج إطار القانون. إنّ عدم احترام الحق في التعبير عن الرأي، والاعتداء على حرية الصحافة، وحظر تنظيمات المجتمع المدني، يخلق بيئة قمعية تهدد الحريات الأساسية.

ومن أخطر هذه الانتهاكات ما يُعرف بجرائم “الإبادة الجماعية”، حيث تقوم السلطة المستبدة بتصفية مناطق أو فئات من الشعب على أساس عرقي أو ديني أو سياسي، مما يُعتبر جريمة ضد الإنسانية في القانون الدولي. 

لا يتورع الحكام في سلطات الأمر الواقع عن تنفيذ سياسة الأرض المحروقة، إما لتحسين وضعهم العسكري أو لتحقيق أهدافهم السياسية عبر العنف الجماعي والتصفية.

التحديات المستقبلية: كيف يمكن الخروج من دائرة الاستبداد؟

الخروج من دوامة الاستبداد والفساد الذي تفرضه سلطات الأمر الواقع يتطلب من المجتمع الدولي والمجتمعات المحلية إحداث تغيير حقيقي. يجب على المجتمع الدولي أن يتخذ مواقف حازمة في مواجهة هذه الأنظمة، من خلال الضغط على هذه الأنظمة لإنهاء ممارساتها القمعية والفساد. ويجب أن يدعم حقوق الإنسان ويحمي المدنيين من الانتهاكات.

كما أن التحول السياسي يتطلب تحفيزًا داخليًا عبر نشر الوعي المجتمعي وتشجيع الأفراد على رفض هذا النظام الاستبدادي. يأتي دور المثقفين والنشطاء الاجتماعيين في حث المجتمع على التصدي لهذه الأنظمة، ونشر قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. 

إذا كان الشعب لا يمتلك الشجاعة والثقة في المقاومة، فإنّ هذه الأنظمة ستستمر في فرض هيمنتها على المجتمع لأطول فترة ممكنة.

الخلاصة

إن سلطات الأمر الواقع لا يمكنها أن تبني أي مجتمع ناجح أو مستدام. الفساد، وانتهاك حقوق الإنسان، وتدمير النظام التعليمي، والافتعال المستمر للحروب، جميعها تُساهم في تدمير أي فرصة للسلام والتنمية المستدامة. ومن أجل بناء مستقبل أفضل، يجب أن يتحمل الشعب مسؤولية التغيير، وأن يسعى لإرساء قواعد العدالة والمساواة، ويجب أن يعيد بناء مؤسسات قوية وقادرة على مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية.

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى